فصل: سنة أربع وست مائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 سنة ثمان وتسعين وخمس مائة

فيها تغلب قتادة بن ادريس الحسيني على مكة وزالت دولة بني فليتة‏.‏

وفيها توفي صاحب اليمن وابن صاحبها الملك المعز اسماعيل بن الملك سيف الاسلام طغتكين - بن نجم الدين أيوب بن شاذي كان مجرماً مصراً على شرب الخمر والظلم ادعى أنه أموي وخرج يروم الخلافة فوثب عليه أخوان من أمرائه فقتلاه وولي بعده أخ له صبي يدعى بالملك الناصر أيوب‏.‏

وفيها توفي مسند الشام أبو طاهر بركات بن ابراهيم المعروف بالخشوع سمع من ابن الأكفاني وجماعة‏.‏

وفيها توفي الحافظ أبو الثناء حماد بن هبة الله‏.‏

وفيها توفي اللؤلؤ الحاجب العادل من كبار الدولة له مواقف حميدة بالسواحل‏.‏

وكان مقدم المجاهدين المؤيدين الذين ساروا لحرب الفرنج الذين قصدوا الحرم النبوي في البحر وظفروا قيل إنه سار لؤلؤ موقناً بالنصرة وأخذ معه قيوداً بعدد الفرنج وكانوا ينيفون على ثلاثمائة - كلهم أبطال من الكرك والشوبك - مع طائفة من العرب المرتدة فلما بقي بينه وبين المدينة يوم أدركهم لؤلؤ وبذل الأموال للعرب فخامروا معه وذلت الفرنج واعتصموا بحبل فترحل لؤلؤ وصعد إليهم بالناس - في تسعة أنفس فهابوه وسلموا أنفسهم فصفدهم وقيدهم كلهم وقدم بهم مصر وكان يوم دخولهم يوماً مشهوراً‏.‏

وكان لؤلؤ شيخاً أرمينياً من غلمان القصر فخدم مع صلاح الدين مقدماً وكان أينما توجه فتح ونصر ثم كبر وترك الخدمة‏.‏

وكان يتصدق كل يوم بطعام عدة قدور وباثني عشر ألف رغيف ويضيف ذلك في شهر رمضان‏.‏

وفيها توفي ابن الزكي قاضي الشام محيي الدين أبو المعالي محمد ابن قاضي القضاة زكي الدين علي ابن قاضي القضاة منتجب الدين محمد بن يحيى - القرشي الشافعي‏.‏

كان فقيهاً إماماً طويل الباع في الإنشاء والبلاغة فصيحاً كامل السؤدد‏.‏

 سنة تسع وتسعين وخمس مائة

وفيها تمكن العادل من الممالك وأبعد الملك المنصور علي بن العزيز - صلاح الدين وأسكنه بمدينة الرها‏.‏

وفيها رمي بالنجوم ذكر ذلك جماعة من المؤرخين قال بعضهم في سلخ المحرم ماجت النجوم وتطايرت كتطاير الجراد ودام ذلك إلى الفجر وانزعج الخلق وضجوا بالدعاء‏.‏

قالوا‏:‏ ولم يعهد ذلك إلا عند ظهور نبينا صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

وفيها توفي غياث الدين سلطان غزنة أبو الفتح محمد‏.‏

كان ملكاً جليلاً عادلاً محباً إلى رعيته كثير المعروف والصدفات وتفرد بالملك بعده أخوه السلطان شهاب الدين‏.‏

وفيها توفي القاضي محمد بن أحمد الأموي المرسي المالكي أحد أئمة المذهب عرض المدونة على والده وأجاز له الكبار وأفتى ستين سنة وولي قضاء مرسية وشاطبة وصنف التصانيف‏.‏وفيها توفي الإمام العلامة أبو الموفق مسعود بن شجاع المعروف بالبرهان الحنفي درس في النورية والخانوتية قاضي العسكر كان صدراً معظماً مفتياً رأساً في المذهب وكان لا يغسل له فرجية بل يهبها ويلبس جديدة‏.‏وفيها توفي الإمام أبو الحسن علي بن ابراهيم الأنصاري الدمشقي الحنبلي الواعظ كان من رؤوس العلماء‏.‏

وفيها توفي الحسن بن سعيد الملقب علم الدين الشاتاني - بالشين المعجمة وبين الألفين مثناة من فوق وقبل ياء النسبة نون - كان فقيهاً وغلب عليه الشعر وأجاد فيه واشتهر به وكان الوزير أبو المظفر بن هبيرة كثير الإقبال عليه والإكرام له وذكره العماد الكاتب أرى النصر معقوداً برايتك الصفرا فسروا ملك الدنيا فأنت بها أحرى يمينك فيا اليمن واليسر في اليسرى فبشرى لمن يرجو الندى بهما بشرا وفيها توفي الشيخ الكبير الولي الشهير إمام العارفين ودليل السالكين صاحب الأحوال الفاخرة الكرامات الباهرة والمقام العلي‏.‏

والكشف الجلي والعطاء السني والمشرب الهني والمحاضرات القدسية والمسامرات الأنسية والحقائق الربانية والأسرار الإلهية أبو عبد الله محمد بن أحمد بن ابراهيم القرشي الهاشمي - قدس الله تعالى روحه - كان له التصريف النافذ في الوجود والفضل الفائض من فيض الجود والباع الطويل في أحكام الولاية والجانب الرحيب في أحوال النهاية والقدم الراسخ في التمكين المكين والسبق إلى ذري درجات المقربين أحد أركان هذا الشأن وعلم أعلامه وقدوة ساداته الأعيان أجمع على جلالته أكابر الأولياء والعلماء واتفق على فضيلته سكان الحضرة والحمى وتبرك الجلة بآثاره والتمسوا الهدى بإضاءة أنواره‏.‏

وله كلام وكرامات مودع بعضها في بعض المصنفات مما اعتنى بجمعه وتأليفه الشيخ الإمام الحفيل السيد الجليل تلميذه أبو العباس أحمد بن علي القسطلاني‏.‏

وقد ذكرت نبذة من ذلك في كتاب روض الرياحين وكتاب أطراف السامعين‏.‏

ومن كلامه رضي الله تعالى عنه‏:‏ الزم الأدب وحدك من العبودية ولا تتعرض لشيء فإن أرادك له أوصلك إليه ومنه‏:‏ العالم من نطق عن سرك واطلع على عواقب أمرك ومن كراماته رضي الله عنه ما ذكر قال‏:‏ كنت بمنى فعطشت ولم أجد ماء ولم يكن معي ما أشتري به فمضيت أطلب بيراً من الآبار فوجدت عليه أعاجم يستقون الماء فقلت لأحدهم‏:‏ ضع لي في هذه الركوة ماء فضربني وأخذ الركوة من يدي ورمى بها بعيداً فمضيت إليها لأخذها وأنا منكسر النفس - فوجدتها في بركة ماء حلو فاستقيت وشربت وجئت بها إلى أصحابي فشربوا وأعلمتهم بالقصة فمضوا إلى المكان ليستقوا منه فلم يجدوا ماء ولا أثر الماء فعلمت أنها آية‏.‏

 سنة ست مائة

فيها وقعت فتنة بين صاحب الموصل نور الدين وبين ابن عمه قطب الدين صاحب سنجار فاستنجد القطب بجاره الملك الأشرف موسى - وهو بحران - فسار معه وعمل مصافاً مع صاحب الموصل فكسره الأشرف وأسر جماعة من أمرائه ثم اصطلحا في آخر العام وتزوج الأشرف بأخت صاحب الموصل‏.‏

وفيها أخذت الفرنج فوة واستباحوها وهي بليدة حسنة دخلوا إليها من فم رشيد في النيل‏.‏

وفيها توفي العلامة أبو الفضل محمد بن محمد بن محمد العراقي القزويني ركن الدين المعروف بالطاوسي الحنفي‏.‏

كان إماماً فاضلاً مناظراً محجاجاً فيما يعلم الخلاف ماهراً فيه اشتغل على الشيخ رضي الدين النيسابوري صاحب الطريقة في الخلاف وبرز فيه وصنف ثلاث تعاليق في الخلاف مختصرة وثانية متوسطة أو كما قيل وثالثة مبسوطة‏.‏

وأجمع عليه الطلبة بمدينة همدان وقصدوه من البلاد البعيدة والقريبة للاستفادة عليه وعلقوا تعاليقه وبنى له الحاجب جمال الدين بهمدان مدرسة تعرف بالحاجبية وطريقته الوسطى خير من طريقته الأخيرتين لأن نفعها كثير وفوائدها جمة‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ واكثر اشتغال الناس في هذا الزمان بها واشتهر صيته في البلاد وحملت طرائقه إليها‏.‏

والطاوسي‏:‏ قيل نسبة إلى طاوس بن كيسان التابعي‏.‏

وفيها توفي الإمام العالم العلامة أبو الفتوح العجلي منتجب الدين أسعد بن أبي الفضائل محمود بن خلف الأصبهاني الواعظ شيخ الشافعية‏.‏

كان من الفقهاء الفضلاء الموصوفين بالعلم والزهد مشهوراً بالعبادة والنسك والقناعة لا يأكل إلا من كسب يده‏.‏

وكان يورق ويبيع ما يتقوت به وكان واعظاً ثم ترك الوعظ وألف كتاب آفات الوعاظ سمع ببلده الحديث على جماعة منهم‏:‏ الحافظ اسماعيل بن محمد بن الفضل وأبو الوفا غانم بن أحمد الجلودي وأبو الفضل عبد الرحيم بن أحمد البغدادي وأبو المظفر قاسم بن الفضل الصيدلاني وغيره‏.‏وقدم بغداد وسمع بها من أبي الفتح محمد بن عبد الباقي وله إجازة حث بها عن أبي القاسم زاهر بن طاهر وأبي الفتح اسماعيل بن أبي الفضل - الاخشيدي وأبي المبارك عبد العزيز الأزدي وغيرهم وعاد إلى بلده وتبحر وتمهر واشتهر وصنف عدة تصانيف فمن ذلك كتاب شرح مشكلات الوسيط والوجيز للغزالي تكلم في المواضع المشكلة من الكتابين ونقل من الكتب المبسوطة عليها وله كتاب تتمة التتمة للمتولي وعليه كان الاعتماد في الفتوى بأصهان‏.‏

والعجلي بكسر العين المهملة وسكون الجيم نسبة إلى عجل بن لجيم - بضم اللام وفتح الجيم - وكان عجل المذكور يعد من الحمقى من أجل أنه كان له فرس جواد فقيل له أن لكل فرس جواد اسماً فما اسم فرسك فقال‏:‏ لم اسمه بعد فقيل له‏:‏ سمه ففقأ إحدى عينيه وقال‏:‏ قد سميته الأعور‏.‏

وفيه قال بعض شعراء العرب‏:‏ رمتني بنو عجل بداء أبيهم وهل أحد في الناس أحمق من عجل أليس أبوهم عار عين جواده فسارت به الأمثال في الناس بالجهل يقال عار عينه - بالمهملة إذا فقأها‏.‏وبنو العجل قبيلة كبيرة من العرب شهيرة‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الحنبلي سمع في دمشق والاسكندرية وبغداد وأصبهان وصنف التصانيف ولم يزل يسمع ويكتب وإليه انتهى حفظ الحديث متناً وإسناداً ومعرفة مع الورع والعباد والتمسك بالأثر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيرته مذكورة في جزأين تأليف الحافظ الملقب بالضياء‏.‏

وفيها وقيل في سنة ثلاث وست مائة توفي الشيخ الحافظ عبد الرزاق ابن الشيخ القطب عبد القادر بن أبي صالح الجيلي أسمعه أبوه عن أبي الفضل الأرموي وطبقته ثم سمعه بنفسه‏.‏

وفيها توفيت فاطمة بنت سعد الخير بن محمد أم عبد الكريم بن أبي الحسن الأنصاري رضي الله عنهم‏.‏

 سنة احدى وست مائة

فيها تغلبت الفرنج على مملكة القسطنطينية وأخرجوا الروم عنها بعد حصار طويل وحروب كثيرة‏.‏

وفيها توفي المحدث أحمد بن سليمان الحربي المقرىء المفيد والرجل الصالح عبد الرحيم بن محمد بن محمد نزيل همدان وأبو الفضل محمد بن الحسين المقري الدمشقي المعروف بابن الخصيب‏.‏

 سنة اثنتين وست مائة

فيها سلم خوارزم شاه محمد بن ترمذ إلى ملك الخطا فكان ذلك هو الخطأ بعينه وتشوش الناس لذلك قيل‏:‏ وما فعله إلا مكيدة ليتمكن من ممالك خراسان‏.‏

وفيها توفي مدرس الأرمينية المعروف بالتقي الأعمى سرق ماله فاتهم به قائده فاحترق قلبه وفيها توفي الإمام العلامة أبو عمر‏.‏

وعثمان بن عيسى الهدباني بالدال المهملة والباء الموحدة وقبل ياء النسبة نون الماراني بالراء بين الألفين والنون بعد الثانية الملقب ضياء الدين كان من أعلم الفقهاء في وقته بمذهب الإمام الشافعي قرأ وتمهر في فروع المذهب وأصوله وشرح المهذب شرحا لم يسبق إلى مثله في قريب من عشرين مجلدا لكنه لم يكمله بلغ فيه إلى كتاب الشهادات وسماه الاستقصاء لمذاهب الفقهاء‏.‏وشرح اللمع في أصول الفقه للشيخ أبي اسحاق الشيرازي أيضا شرحا مستوفي في مجلدين وغير ذلك ووقف عليه الأمير جمال الدين الهكاري في مدرسة أنشأها في القاهرة وفوض تدريسها إليه ولم يزل بها إلى أن توفي وفوض إليه السلطان صلاح الدين القضاء بالديار المصرية وهو في نسبته راجع إلى ابن عبدوس الماراني نسبة إلى بني ماران توفي بعد أن نيف على الثمانين ودفن بالقرافه الصغرى وفيها توفي السلطان أبو المظفر محمد شهاب الدين الغوري صاحب غزنة قتلته الإسماعيلية بعد قفوله من غزو الهند وكان ملكًا جليلاً مجاهدًا واسع المملكة حسن السيرة وهو الذي حضر عنده الإمام فخر الدين الرازي فوعظه وقال‏:‏ يا سلطان العالم لا سطانك يبقى ولا تلبيس الرازي يبقى فانتحب السلطان باكياً‏.‏وفيها توفي أبو العز عبد الباقي بن عثمان الهمداني الصوفي وكان ذا علم وصلاح‏.‏

وفيها توفي أبو يعلى حمزة بن علي بن حمزة البغدادي كان خيراً زاهداً بصيراً بالقراءات حاذقا فيها‏.‏

 سنة ثلاث وست مائة

فيها وقعت حروب خراسان قوي فيها ملك خوارزم شاه واتسع وافتتح بلخ غيرها ونازلت الفرنج حمص فصار إليهم المبارز وحاربهم‏.‏

وفيها توفي الحافظ الثقة عبد الرزاق ابن الشيخ عبد القادر الجيلي أسمعه أبوه من أبي الفضل الأرموي وطبقته ثم سمع هو بنفسه قيل‏:‏ لم ير مثله في وقته في يقظة وتجربة‏.‏

وفيها توفي داود بن محمد بن محمود الأصبهاني وفيها توفي الحافظ أبو الحسن علي ابن فاضل الصوري المصري كتب الكثير واكثر عن السلفي سمع بمصر من الشريف الخطيب وقرأ القراءات على الغافقي‏.‏

وفيها توفي محمد بن معمر القرشي الأصبهاني سمع من خلق كثير وكان عارفًا بمذهب الشافعي وبالعربية والحديث قوي المشاركة محتشمًا ظريفًا وافر الجاه‏.‏وفيها توفي أبو الحزم الإمام العلامة ضياء الدين محمد الموصلي المقري النحوي الضرير صاحب ابن الخشاب برع في القراءات والعربية واللغة وغير ذلك وذكره أبو البركات ابن المستوفي في تاريخ إربل فقال‏:‏ هو جامع فنون الأدب وحجة كلام العرب والمجمع على دينه وعقله والمتفق على علمه وفضله رحل إلى بغداد ولقى بها مشائخ النحو واللغة والحديث وكان واسع الرواية وكان أبدا يتعصب لأبي العلاء المعري ويطرب إذا قرىء عليه شعره للجامع بينهما من العمى والأدب‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ وحكى بعض من أخذ عنه أنه لما كان ببلده كان جيرانه ومعارفه يسمونه مكيك تصغير مكي فلما ارتحل واشتغل وحصل اشتاقت نفسه إلى وطنه فعاد إليه فتسامع به من بقي ممن كان يعرفه فزاروه وفرحوا به لكونه فاضلأ من أهل بلدهم وبات تلك الليلة فلما كان سحر خرج إلى الحمام فسمع امرأة في غرفتها تقول لأخرى‏:‏ ما تدرين من جاء فقالت‏:‏ لا فقالت‏:‏ مكيك ابن فلانة فقال‏:‏ والله لا أقعدن في بلد‏.‏

أدعى فيها مكيك فسافر من غير تربث وعاد إلى الموصل ثم سافر إلى الشام لزيارة بيت المقدس‏.‏

 سنة أربع وست مائة

فيها تملك الملك الأوحد أيوب بن العادل مدينة خلاط‏.‏

وفيها توفي أبو العباس الرعيني أحمد بن محمد الإشبيلي المقري وكان من الأدب والزهد بمكان‏.‏

وفيها توفي ابن الساعاتي علي بن محمد الشاعر الملفق صاحب ديوان الشعر‏.‏

وفيها توفي أبو ذر مصعب بن محمد الجياني النحوي اللغوي صاحب التصانيف وحامل لواء العربية في الأندلس ولي خطابة إشبيلية مدة ثم قضاء جيان ثم تحول إلى فاس بعد صيته وسارت الركبان بتصانيفه‏.‏

 سنة خمس وست مائة

فيها توفي الملك سنجر شاه ابن غازي قتلة ابنه غازي وحلفوا له ثم وثب عليه من الغد خواص أبيه وقتلوه وملكوا أخاه الملك المعظم وكان سنجر سيىء السيرة ظلومًا وفيها توفي المحدث العالم محمد بن المبارك البغدادي‏.‏وفيها توفي أبو الجود غياث بن فارس اللخمي مقري الديار المصرية‏.‏

 سنة ست وست مائة

فيها نزلت ا لكرج بالراء الجيم على خلاط فلما كادوا أن يأخذوها زحف ملكهم في جيشه فوصل إلى باب البلد‏.‏

وفيها توفي الأوحد بن العادل فبرز إليه عسكر المسلمين فظفر به فرسه فأحاط المسلمون وأسروه وهرب جيشه‏.‏

وفيها سار خوارزم شاه صاحب خراسان في جيوشه وقطع النهر فالتقى الخطا وكانت ملحمة عظيمة انكسر فيها وقتل منهم خلق كثير واستولى خوارزم شاه على ما وراء النهر وكان كشلوخان بالشين والخاء المعجمتين وعسكره وقد أخرجتهم الخطا من أرضهم ونزلوا بلاد الترك وجرت لهم حروب مع الخطا فلما عرفوا أن خوارزم شاه كسرهم قصدوهم فكاتب ملك الخطا في الحال خوارزم شاه يقول‏:‏ إما ما كان منك من بلادنا وقتل رجالنا فمغفور فقد أتانا عدو لا قبل لنا به وقد انتصروا علينا وأخذونا لم يبق لهم دافع عنك والمصلحة أن تسير إلينا وتجيرنا فكاتب خوارزم شاه كشلوخان إنا معك وكاتب ملك الخطأ كذلك وسار بجيوشه إلى أن نزل بقرب مكان المصاف فتوهم كلا الفريقين أنه معهم وأنه مكين لهم فالتقوا فانهزمت الخطا فمال حينئذ مع كشلوخان ورأى رأيًا نحسًا وهو إن أمر أهل بلاد الترك بالجلاء إلى بخارى وسمرقند ثم خربهما جميعًا وشتت الناس‏.‏

وفيها توفي أسعد بن المنجا بن أبي البركات القاضي أبو المعالي التنوخي المغربي ثم الدمشقي روي عن القاضي الأرموي وتفقه على الشيخ عبد القادر وغيره‏.‏

الواحد صاحب أبي نعيم ولها إجازة من أبي علي الحداد وجماعة وسمعت المعجمين الصغير والكبير للطبراني من فاطمة الجوزدانية‏.‏

وفيها توفي الإمام الكبير العلامة التحرير الأصولي المتكلم المناظر المفسر صاحب التصانيف المشهورة في الآفاق الحظية سوق الإفادة بالاتفاق فخر الدين الرازي أبو عبدالله محمد بن عمر بن الحسين القرشي التيمي البكري الملقب بالإمام عند علماء الأصول المقرر لشبه مذاهب الفرق المخالفين والمبطل لها بإقامة البراهين الطبرستاني الأصل الرازي المولد المعروف الشافعي المذهب فريد عصره ونسيج وحد الذي قال فيه بعض العلماء‏.‏

خصه الله برأي هو للغيب طليعة فيرى الحق بعين دونها حد الطبيعة ومدحه الإمام سراج الدين يوسف بن أبي بكر بن محمد السكاكي الخوارزمي بقوله‏:‏ أعلمهن علمًا يقينًا إن رب العالمينا لو قضى في عالميهم خدمة للأعلمينا أخدم الرازي فخر أخدمة العبد بن سينا فاق أهل زمانه الأصلين والمعقولات وعلم الأوائل صنف التصانيف المفيدة في فنون عديدة‏.‏

منها تفسير القران الكريم جمع فيه من الغرائب والعجائب ما يطرب كل طالب وهو كبير جدًا لكنه لم يكمله وشرح سورة الفاتحة في مجلد ومنها في علم الكلام المطالب العالية ونهاية العقول وكتاب الأربعين والمحصل وكتاب البيان والبرهان في الرد على أهل الزيغ والطغيان وكتاب المباحث المشرقية وكتاب المباحث المعادية في مطالب المعادية وكتاب تهذيب الدلائل وعيون المسائل وكتاب إرشاد النظار إلى لطائف الأسرار وكتاب أجوبة المسائل النجارية وكتاب تحصيل الحق وكتاب الزيدة والمعالم وغير ذلك وفي أصول الفقه والمحصول والمعالم في الحكمة الملخص وشرح الملخص لابن سينا وشرح الإشارات لابن سينا وشرح عيون الحكمة وغير ذلك وفي الطلسمات السر المكتوم وشرح أسماء الله الحسنى ويقال‏:‏ إن له شرح المفصل في النحو للزمخشري وشرح الوجيز في الفقه للغزالي‏.‏

وشرح سقط الزند للمعري‏.‏

وله مختصر في الإعجاز ومؤاخذات جيدة على النحاة وله طريقة في الخلاف وله في الطب شرح الكليات للقانون وصنف في علم الفراسة وله مصنف في مناقب الشافعي وكل كتبه مفيدة وانتشرت تصانيفه في البلاد ورزق فيها سعادة عظيمة بين العباد فإن الناس اشتغلوا بها وهو أول من اخترع هذا الترتيب في كتبه وأتي فيها بما لم يسبق إليه وله في الوعظ اليد البيضاء ويعظ باللسانين العربي والعجمي وكان يلحقه الوجد حال الوعظ ويكثر البكاء وكان يحضر مجلسه بمدينة هراة أرباب المذاهب والمقالات ويسألونه وهو يجيب كل سائل بأحسن الأجوبة المجادلات على اختلاف أصنافهم ومذاهبم ويجيء إلى مجلسه الأكابر والأمراء والملوك وكان صاحب وقار وحشمة ومماليك وثروة وبزة حسنة وهيئة جميلة إذا ركب مشى معه نحو ثلاث مائة مشتغل على اختلاف مطالبهم في التفسير والفقه والكلام والأصول والطب وغير ذلك ورجع بسببه خلق كثير من الطائفة الكرامية وغيرهم إلى مذهب أهل السنة كان يلقب بهراة شيخ الإسلام وكان مبدأ اشتغاله على والده إلى أن مات ثم قصد الكمال السمناني بالسين المهملة والنون مكررة قبل الألف وبعدها واشتغل عليه مدة ثم عاد إلى الري واشتغل على المجد الجيلي صاحب محمد بن يحيى الفقيه أحد تلامذة الإمام حجة الإسلام أبي حامد الغزالي ولما طلب المجد إلى مراغة ليدرس بها صحبه وقرأ عليه مدة طويلة علم الكلام والحكمة ويقال‏:‏ إنه كان يحفظ الشامل لإمام الحرمين في أصول الدين والمستصفى في أصول الفقه للغزالي وكذا المعتمد لأبي الحسين البصري ثم قصد خوارزم وقد تمهر في العلوم فجرى بينه وبين أهلها كلام فيما يرجع إلى المذهب والاعتقاد فأخرج من البلد فقصد ما وراء النهر فجرى له أيضا هنالك كذلك فعاد إلى الري وكان بها طبيب حاذق له ثروة ونعمة وكان للطبيب ابنتان ولفخر الدين ابنان فمرض الطبيب وأيقن بالموت فزوج ابنتيه لولدي فخر الدين ومات الطبيب فاستولى فخر الدين على جميع أمواله كذا قاله ابن خلكان قلت‏:‏ وعلى تقدير صحة قال‏:‏ ولازم الأسفار وعامل شهاب الدين الغوري صاحب غزنة بالغين المعجمة والزاي والنون في جملة من المال ثم مضى إليه لاستيفائه منه فبالغ في إكرامه والإنعام عليه وحصل له من جهته مال طائل وعاد إلى خراسان واتصل بالسلطان محمد المعروف بخوارزم شاه فحظي عنده ونال أسمى المراتب ولم يبلغ أحمد منزلته عنده ولما قدم إلى هراة نال من الدولة إكرامًا عظيمًا فاشتد ذلك على الكرامية فاجتمع يومًا مع القاضي مجد الدين ابن القدوة فتناظر ثم استطال فخر الدين علي ابن القدوة ونال منه وأهانه فعظم ذلك على الكرامية وثاروا من كل ناحية فقامت بينهم فتنة فأمر السلطان الجند بتسكينها وذلك في سنة خمس وتسعين وخمس مائة ولم يزل بينه وبين الكرامية السيف الأحمر فينال منهم وينالون منه سبًا وتكفيرًا حتى قيل إنهم سموه فمات من ذلك وكان موته بهراة يوم الاثنين يوم عيد الفطر من السنة المذكورة رحمه الله تعالى‏.‏

ومناقبه أكثر من أن تحصر به وتعد وفضائله لا تحصى ولا تحد‏.‏

وكان له مع ما جمع من العلوم شيء من الكلام المنظوم ومن ذلك قوله‏:‏ نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال فأرواحنا في وحشة من جسومنا وحاصل دنيانا أذىً ووبال ولم تستفد من بحثناطول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقال وكم من جبال قد علت شرفاته رجال فزالوا والجبال جبال وكم قد رأينا من رجال ودولة فبادوا جميعًا مسرعين وزالوا وكان العلماء يقصدونه من البلاد وتشد إليه الرحال من الأقطار‏.‏

وحكى شرف الدين بن عنين أنه حضر عرسه يومًا وهو يلقي الدروس في مدرسته ودرسه حفل بالأفاضل واليوم شات وقد سقط ثلج كثير فسقطت بالقرب منه حمامة وقد طردها بعض الجوارح فلما دفعت ما رجعت خوفًا من الحاضرين في المجلس ولم تقدر الحمامة على الطيران من خوفها وشدة البرد فلما قام فخر الدين من الدرس وقف عليها ورق لها وأخذها‏.‏قلت‏:‏ هكذا حكى والدي حكوا في علم المعاني والبيان أنها وقعت في حجر الإمام فخر الدين فأنشده بن عنين في الحال‏.‏

يا ابن الكرام المطمعين إذا استواى ** في كل مسغبة وثلج خاشف

الغامضين إذا النفوس تطايرت ** بين الصوارم والوشيح الزاعف

من نبأ الورقاء أن محلكم ** حرم وأنك ملجأ للخائف

مع أبيات أخرى منها قوله‏:‏ وهذا البيت مع البيت الثالث هما اللذان المذكوران في علم المعاني والبيان من المبدعات إذا افتتحا بقوله جاءت سليمان الزمان حمامة إلى آخره ثم أتبع بقوله‏:‏ من نبأ الورقاء أن محلكم إلى آخره كانا من الموجز المبدع قوله‏:‏ خاشف هو بالخاء والشين المعجمتين يقال‏:‏ خشف الثلج إذا تحرك ومنه قول الشاعر يصف البرده‏:‏ إذا كبد النجم السماء يشو على حين هر الكلب والثلج خاشف وقال أبو عبدالله الحسين الواسطي‏:‏ سمعت فخر الدين بهراة ينشد على المنبر عقب كلام عاتب فيه أهل البلد‏:‏ المرء مادام حيًا يستهان به ويعظم الرزء فيه حين يفتقد وذكر فخر الدين في كتابه الموسوم بتحصيل الحق أنه اشتغل في علم الأصول على والده ضياء الدين عمر ووالده على أبي القاسم سليمان بن ناصر الأنصاري وهو على إمام الحرمين أبي المعالي وهو على الأستاذ أبي الإسحاق الإسفرائيني وهو على الشيخ أبي الحسن الباهلي وهو على شيخ السنة أبي الحسن علي بن أبي إسماعيل الأشعري الناصر لمذهب أهل السنة والجماعة وأما اشتغاله في فروع المذهب فإنه اشتغل على والده المذكور ووالده على أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي وهو على القاضي حسين المروزي وهو على القفال المروزي وهو على أبي زيد المروزى وهو على أبي إسحاق المروزي وهو على أبي العباس بن شريح وهو على أبي القاسم الأنماطي وهو على أبي إبراهيم المزني وهو على الإمام الشافعي المطلبي رضي الله تعالى عنه‏.‏وكانت ولادة فخر الدين في الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة أربع وأربعين قيل‏:‏ ثلاث وأربعين وخمس مائة بالري وتوفي يوم الاثنين يوم عيد الفطر من السنة المذكورة كما تقدم رحمه الله تعالى وفيها توفي العلامة مجد الدين أبو السعادات المبارك بن أبي الكرم محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن الأثير الشيباني الجزري ثم الموصلي الكاتب‏.‏

قال أبو البركات بن المستوفي في حقه‏:‏ أشهر العلماء ذكر أو أكثر النبلاء قدرا وأوحد الأفاضل المشار إليهم وفرد الأماثل المعتمد في الأمور عليهم أخذ النحو عن شيخه أبي محمد إسماعيل بن المبارك وسمع الحديث متأخرًا ولم يتقدم له رواية وله المصنفات البديعة والرسائل الوسيعة‏.‏

رزين إلا أن فيه زيادات كثيرة ومنها كتاب النهاية في غريب الحديث في خمس مجلدات وكتاب الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف في تفسير القرآن أخذه من تفسير الثعلبي والزمخشري وله كتاب المصطفى والمختار في الأدعية والأذكار وكتاب لطيف في صنعة الكتابة وكتاب البديع في شرح الفصول في النحو لابن الدهان وديوان رسائل والكتاب الشافي في شرح مسند الإمام الشافعي وغير ذلك من التصانيف‏.‏

وله ديوان الإنشاء لصاحب الموصل مسعود بن مودود ارسلان شاه وحظي عنده وتوفرت حرمته لديه وكتب له مدة ثم عرض له مرض الفالج فكف يده من الكتابة ورجليه من الحركة وأقام في داره يغشاها الأكابر والعلماء وأنشأ رباطًا ووقف أملاكه على رباطه المذكورة وعلى داره التي سكنها‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ وبلغني أنه صنف كتبه كلها في مدة تعطله فإنه تفرغ لها وكان عنده جماعة يعينونه عليها في الأخبار والكتابة وله شعر يسير ومن ذلك ما أنشده للأتابك صاحب الموصل وقد زلت بغلته‏.‏

إن زلت البغلة من تحته فإن في زلتها عذرا حملها من علمه شاهقاً ومن ندى راحته بحرا وحكى أخوه أبو الحسن أنه جاءه رجل مغربي فالتزم أن يداويه ويبرئه ما هو فيه وأنه لا يأخذ أجرة إلا بعد برئه‏.‏

قال‏:‏ فملنا إلى قوله وأخذ في معالجته بدهن حتى لانت رجله وأشرف على كمال البرء فقال لي‏:‏ أعط هذا المغربي شيئا يرضيه واصرفه فقلت له‏:‏ لم ذا وقد ظهر نجح معالجته‏.‏

فقال‏:‏ الأمر كما يكون ولكني في راحة مما كنت فيه من صحبة هؤلاء القوم والالتزام بإحضارهم وقد سكنت روحي إلى الانقطاع والدعة وقد كنت بالأمس وأنا معافى أذل نفسي بالسعي إليهم‏.‏

وأنا الآن قاعد في منزلي فإذا طرأت لهم أمور ضرورية جاؤوني بأنفسهم لأخذ رأيي وبين هذا وذاك كثير ولم يكن سبب هذا إلا هذا المرض فما أرى زواله ولا معالجته ولم يبق من العمر إلا القليل فدعني أعيش باقيه حرًا سليمًا من الذل فقد أخذت منه بأوفر حظ‏.‏

قال‏:‏ فقبلت منه قوله وصرفت الرجل بإحسان‏.‏

وفيها توفي أبو المكارم أسعد بن الخطير مهذب بن ميناء الكاتب الشاعر كان ناظر الدواوين‏.‏

بالديار المصرية وفيه فضائل عديدة ونظم سيرة السلطان صلاح الدين وله ديوان شعر ومن جملته قوله‏.‏

يعاتبني وينهى عن أمور سبيل الله أن ينهوك عنها أتقدر أن تكون كمثل عيني وحقك ما علي أضر منها فيها توفي صاحب الموصل أرسلان شاه ابن السلطان مسعود وكان شهمًا شجاعًا سائسًا مهيبًا قال أبو السعادات ابن الأثير وزيره‏:‏ ما قات له في فعل خير الإبادر فيه وقال أبو المظفر ابن جوزي‏:‏ كان جبارًا سافكًا للدماء‏.‏

وقال ابن خلكان‏:‏ كان شهمًا عارفًا بالأمور تحول شافعيًا ولم يكن في بيته شافعي سواه وبنى مدرسة للشافعية بالموصل قل أن يوجد مدرسة في حسنها‏.‏

توفي في شبارة بالشط ظاهر الموصل والشبارة بالشين المعجمة مفتوحة والموحدة مشددة وبين الألف والهاء راء وهي عندهم الحراقة عند أهل مصر وكتم موته حتى دخل به إلى دار السلطنة بالموصل‏.‏

ودفن في تربته التي بمدرسته المذكورة وخلف ولدين هما الملك القاهر مسعود والملك المنصور زنكي وسيأتي ذكر كل واحد منهما في ترجمته إنشاء الله تعالى وتسلطن بعده ابنه مسعود‏.‏

وفيها توفي مؤيد الدولة أسامة بن مرشد الكلبي من اكابر أهل قلعة سعير وشجعانهم علمائهم له تصانيف عديدة في فنون الأدب وله ديوان شعر في جزأين منه قوله‏.‏

لا تستعر جلداً على هجرانهم فقواك تضعف عن صدود دائم وإعلم بأنك إن رجعت إليهم طوعًا وإلا عدت عودة راغم ومنه قوله في دار ابن طليب احترقت‏:‏ ماأوقد ابن طليب قط بداره نارًا وكان خرابها بالنار ومما يناسب هذه الواقعة ما حكي أن إنسانًا معروفًا بابن صورة المصري كانت له بمصر دار موصوفة بالحسن فاحترقت فقال أبو الحسن بن مفرج المعروف بابن المنجم أقول وقد عاينت دار ابن قعورة وللنار فيها مارج يضرم كذا كل مال أصله من مهاوش فعما قليل في نهابر يعدم وما هو إلا كافر طال عمره فجاءته لما استبطأته جهنم والبيت الثاني مأخوذ من قوله عليه السلام‏:‏ ‏"‏ من أصاب مالا من مهاوش أذهبه الله في نهابر والمهاوش‏:‏ الحرام والنهابر‏:‏ المهالك‏.‏

فيها توفي مسند العراق الحافظ أبو أحمد عبد الوهاب بن سكينة البغدادي الصوفي سمع الحديث وقرأ القراءات وقرأ الفقه والخلاف والنحو‏.‏

وقال ابن النجار‏:‏ هو شيخ العراق في الحديث والزهد والسمت وموافقة السنة كانت أوقاته محفوظة لا يمضي له ساعة إلا في تلاوة أو ذكر أو تهجد أو اسماع وكان يديم الصيام غالبآ ويستعمل السنة في أموره قال‏:‏ وما رأيت أكمل منه ولا أكثر عبادة ولا أحسن سمتًا‏.‏

سمع من جماعة وكتب الكثير بخطه وحفظ القرآن والحديث والفقه وكان إمامًا فاضلأ مقريًا زاهدأ عابدًا قانتاً لله خائفًا من الله منيبًا إلى الله كثير النفع لخلق الله ذا أوراد وتهجد واجتهاد وأوقات مقسمة على الطاعات من الصلاة والصيام والذكر وتعليم العلم والفتوة والمروة والخدمة والتواضع وكان عديم النظير في زمانه حطب بجامع الجبل إلى أن توفي في رحمه الله تعالى‏.‏سنة ثمان وست مائة فيها قدم بغداد رسول جلال الدجين حسن صاحب الألموت بدخول قومه في الإسلام وأنهم قد تبرؤوا من الباطنية وبنوا المساجد والجوامع وصاموا رمضان فسر الخليفة بذلك‏.‏

وفيها وثب قتادة الشريف الحسني أمير مكة على الركب العراقي بمنىً فنهبهم وقتل جماعة قيل‏:‏ راح للباس في ذلك ما قيمته ألف ألف دينار‏.‏

وفيها توفي أبو العباس العاقولي أحمد بن الحسن أبي البقاء المقرىء قرأ القراءات وسمع الحديث والروايات المتعددات‏.‏

وفيها توفي العلامة ابن نوح الغافقي محمد بن أيوب الأندلسي قرأ القراءات وسمع الحديث وتفقه وبرع في مذهب ملك ولم يبق له في وقته نظير في شرق الأندلس تفننًا واستيخارًا كان رأسًا في القراءات والفقه والعربية وعقد المشروطة قال‏:‏ الإبار‏:‏ تلوت عليه وهو أغزر من لقيت علمًا وأبعدهم صيتًا‏.‏

وفيها توفي الإمام العلامة محمد بن يونس الملقب عماد الدين الفقيه الشافعي كان إمام وقته في الأصول والخلاف والجدل وكان له صيت عظيم في زمانه وقصده الفقهاء من البلاد الشاسعة للاشتغال وتخرج عليه خلق كثير صاروا كلهم أئمة مدرسين يشار إليهم وكان مبدأ اشتغاله على أبيه ثم توجه إلى بغداد وتفقه بالمدرسة النظامية على السديد محمد السلماسي وكان معيدًا بها والمدرس يومئذ الشريف يوسف بن بندار الدمشقي وسمع بها الحديث من أبي عبد الرحمن بن محمد الكشميهني ومن أبي حامد محمد بن أبي الربيع الغرناطي وعاد إلى الموصل ودرس بها في عدة مدارس وصنف كتبًا في المذهب منها كتاب المحيط في الجمع بين المهذب والوسيط و شرح الوجيز للغزالي وصنف جدلاً وعقيدة وتعليقه في الخلاف لكنه لم يتمها وكانت إليه الخطابة في الجامع المجاهدي مع التدريس في المدرسة النورية والغربية والزنكية والنفسية والعلانية وتقدم في دولة نور الدين ارسلان شاه صاحب الموصل تقدمًا كثيرًا وتوجه رسولاً إلى بغداد من غير مرة وإلى الملك العادل وناظر في ديوان الخلافة واستقل في مسألة شراء الكافر للعبد المسلم وتولى القضاء بالموصل ثم انفصل عنه بأبي الفضائل القاسم بن يحيى الشهرزوري الملقب ضياء الدين وانتهت إليه رياسة أصحاب الشافعي بالموصل‏.‏

وكان شديد الورع والتقشف لا يلبس الثوب الجديد حتى يغسله ولا يمس القلم للكتابة إلا ويغسل يده وكان دمث الأخلاق يعني سهلها لطيف الخلوة ملاطفا بحكايات وأشعار وكان كثير المباطنة لنور الدين صاحب الموصل يرجع إليه في الفتاوى ويشاوره في الأمور وله صنف العقيدة المذكورة ولم يزد معه أو قال‏:‏ يبحث معه حتى انتقل عن مذهب أبي حنيفة إلى مذهب الشافعي رضي الله تعالى عنهما ولمم يوجد في بيت أتابك مع كثرتهم شافعي سواه‏.‏

ولما توفي نور الدين توجه إلى بغداد في الرسالة بسبب تقرير ولده الملك القاهر مسعود فعاد وقد قضى الشغل ومعه الخلعة والتقليد وتوفرت حرمته عند القاهر أكثر مما كانت عند أبيه وكان مكمل الآداب غير أنه لم يرزق سعادة في تصانيفه فإنها ليست على قدر فضائله‏.‏

وكان الملك المعظم صاحب إربل يقول‏:‏ رأيت الشيخ عماد الدين في المنام بعد موته فقلت له‏:‏ وفيها توفي القاضي السعيد أبو القاسم هبة الله بن القاضي الرشيد أبي الفضل جعفر بن المعتمد السعدي الشاعر المشهور المصرفي صاحب ديوان الشعر البديع ونظم رائق الحسن الرفيع أحد الفضلاء الرؤساء النبلاء أخذ الحديث عن أبي طاهر أحمد بن محمد السلفي الأصبهاني وكان كثير التخصيص والنعم وافر السعادة من الدنيا حميد الشيم اختصر كتاب الحيوان للجاحظ وسمي المختصر روح الحيوان وله ديوان جميعه موشحات سماء دار الطراز وجمع شيئًا من الرسائل الدائرة بينه وبين القاضي الفاضل ومن محاسن شعره قوله في غزل قصيدة مدح بها القاضي الفاضل‏:‏

ولو أبصر النظام جوهر ثغرها ** لما شك فيه أنه الجوهر الفرد

ومن قال‏:‏ إن الخيرزانة قدها فقولوا له‏:‏ إياك أن يسمع القد وكان بمصر شاعر يقال له‏:‏ أبو المكارم هبة الله بن وزير فبلغ القاضي الملقب بالسعيد المذكور أنه هجاه فأحضره إليه وأد به وشتمه فكتب إليه أبو الحسن المعروف بابن المنجم الشاعر المشهور‏:‏ قل للسعيد أدام الله نعمته صديق ابن وزير كيف تظلمه صفعته إذا غدا يهجوك منتقمًا وكيف من بعد هذا ظلت تشتمه فإن تقل ما بهجو عنده ألم فالصفع والله أيضًا ليس يؤلمه سنة تسع وست مائة فيها كانت الملحمه العظمى بالأندلس بن الناصر محمد بن يعقوب وبين الفرنج فنصر الله الإسلام والحمد لله استشهد بها عدد كثير وتعرف بوقعة العقاب‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي الحافظ أحمد بن هارون البغوي الشاطبي سمع أباه العلامة ابن هذيل ولما حج سمع من السلفي وكان عجبًا في سرد المتون ومعرفة الرجال الأدب وكان زاهدًا سلفيًا متفننًا عدم في وقعة العقاب‏.‏

وفيها توفي الملك الأوحد أيوب بن الملك العادل بن أبي بكر بن أيوب وكان ظلوماً سفاكًا لدماء الأمراء‏.‏

وفيها توفي أبو نزار ربيعة بن الحسن الحضرمي اليمني الصنعاني الشافعي المحدث تفقه بظفار ورحل إلى العراق وأصفهان وسمع من طائفة منهم أبو المطهر الصيدلاني وكان مجموع الفضائل كثير التعبد والعزلة‏.‏

فيها توفي تاج الأمناء أبو الفضل أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله الدمشقي المعدل ابن عساكر والد العز النسابة‏.‏

وفيها توفي أبو الفضل التركستاني أحمد بن مسعود شيخ الحنفية في العراق وعالمهم ومدرس مسند الإمام أبي حنيفة‏.‏

وفيها توفي السلطان شمس الدين صاحب همدان وأصفهان والري وصاحب المغرب الملقب بأمير المؤمنين محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن القيسي وكان حسن القامة أشقر أشهل طويل الصمت كبير الأطراف بعيد الغور ذا شجاعة وحلم وفي سنة تسع وتسعين سار ونزل على مدينة فارس فأخذها ثم سار وحاصر المهدية أربعة أشهر ثم تسلمها وقيل‏:‏ إنه أنفق في هن‏!‏ السفرة مائة وعشرين حمل ذهب‏.‏

وفيها توفي أبو موسى عيسى بن عبد العزيز الجزولي كان إمامًا في علم النحو كثير الإطلاع على دقائقه وغريبه وشاذه وصنف فيه المقدمة التي سماها القانون أتى فيها بالعجائب وهي مع الإيجاز مشتملة على كثير من النحو قيل ولم يسبق إلى مثلها واعتنى بها جماعة من الفضلاء شرحوها ومنهم من وضع لها أمثلة ومع هذا فلا يفهم حقيقتها وأكثر النحاة يعترفون بقصور إفهامهم عن إدراك مراده منها فإنها كلها رموز وإشارات وقد قال بعض أئمة العربية‏:‏ أنا ما أعرف هذه المقدمة وما يلزم من كونه ما أعرفها إن لا أعرف النحو ويقال‏:‏ إنه كان يدري شيئًا من المنطق وعلى جملة وفي مقدمته المذكورة كلام غامض وعقود لطيفة وأشار إلى أصول صناعة النحو وغريبه‏.‏

وذكر بعضهم أنه كان إذا سئل عنها هذه من صنعتك‏.‏

قال‏:‏ لا لأنه كان متورعًا وكان قد جرى بين الطلبة بحث حصلت منه فوائد فعلقها الجزولي فيها وفوائد أخرى من كلام شيخه فسلم يسعه لذلك أن يقول هي من صنعتي وإن كانت منسوبة إليه لأنه الذي انفرد بترتيبها‏.‏

وكان قد دخل إلى الديار المصرية وأقام بهامدة حجج ثم رجع إلى بلاد المغرب وأقام بمدينة بجاية مدة والناس يشتغلون عليه وانتفع به خلق كثير والجزولي بضم الجيم والزاي وسكون الواو نسبة إلى جزولة وهي بطن من البربر‏.‏

وفي السنة المذكورة توفيت عين الشمس بنت أحمد بن أبي الفرج الثقفية الأصفهانية‏.‏

وفيها توفي أبو الفتح ناصر بن أبي المكارم المطرزي الفقيه النحوي الأديب الحنفي الخوارزمي كانت له معرفة تامة بالنحو واللغة والشعر وأنواع الأدب قرأ على جماعة وسمع الحديث من طائفة وكان رأسا في الاعتزال داعيًا إليه منتحلاً مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه في الفروع فصيحًا فاضلاً في الفقه له عدة تصانيف نافعة منها شرح المقامات للحريري وهو على وجازته مفيد محصل للمقصود وله كتاب ا لمغرب تكلم فيه على الألفاظ التي يستعملها الفقهاء من الغريب وهي للحنفية بمنزلة كتاب الأزهري للشافعية‏.‏وما قصر فيه فإنه أتى جامعا للمقاصد وله غير ذلك وانتفع الناس به وبكتبه ودخل بغداد حاجًا وجرى له هناك مباحث مع جماعة من الفقهاء وأخذ أهل الأدب عنه وكان شهير الذكر بعيد الصيت وله شعر من ذلك قوله‏:‏ وإني لاستحيي من المجد أن أرى حليف عوان أو أليف غواني وقوله‏:‏ تعامى زماني عن حقوقي وإنه قبيح على الزرقاء تبدي تعاميا فإن تنكروا فضلي فإن دعاءه كفى لذوي الأسماع منكم مناديا ويقال‏:‏ إنه كان بخوارزم خليفة الزمخشري‏:‏ والمطرزي نسبة إلى من يطرز الثيابة ويرقمها إما هو أو أحد من آبائه‏.‏

وفيها وقيل‏:‏ وفي سنة تسع توفي أبو الحسن علي بن محمد الحضرمي المعروف بابن خروف النحوي الأندلسي الإشبيلي كان فاضلاً في علم العربية وله فيها مصنفات شهدت بفضله وسعة علمه شرح كتاب سيبويه شرحًا جيدًا وشرح الجمل لأبي القاسم الزجاجي هذا غير سنة احدى عشرة وست مائة فيها توفي الحافظ المتقن مسند العراق عبد العزيز بن محمود المعروف بابن الأخضر البغدادي وفيها توفي الإمام الحافظ المفتي علي بن مفضل اللخمي المقدسي الإسكندراني الفقيه المالكي كان فقيهًا فاضلاً في مذهب الإمام مالك ومن أكابر الحفاظ المشاهير في الحديث وعلومه صحب الحافظ أبا طاهر السلفي الأصبهاني‏.‏وفيها توفي الشيخ العلامة زكي الدين أبو محمد عبد العظيم بن عبد القوي بن عبدالله المنذري ولازم صحبته وبه انتفع وعليه تخزج وعليه أنشد أبو الحسن المقدسي المذكور لنفسه‏:‏ تجاوزت ستين من مولدي فأسعد أيامنا المشترك يسائلني زائري حالتي وما حال من حل في ا لمعترك وأنشد أيضاً لنفسه أيا نفس بالمأثور من خير مرسل وبأصحابه والتابعين تمسكي عساك إذا بالغت في نشر دينه بما طاب نشر له أن تمسكي وأنشد أيضا ًلنفسه لما تحيي من تحيي بريقها كأن مزاج الراح بالمسك في فيها وما ذقت فيها غير أني رويته عن الثقة المسواك وهو موافيها هذا المعنى قد سار في كثير من أشعار المتقدمين والمتأخرين فمن ذلك قول بشار من جملة أبيات‏:‏ يا أطيب الناس ريقًا غير مختبر إلا شهادة أطراف المساويك وقول آخر‏:‏ وأخبرني أترابها أن ريقها على ما حكى عودًا لأراك لذيذ وكان مدرسًا ونائبًا في الحكم‏.‏

وفيها توفي الشيخ أبو الحسن بن أبي بكر الهروي طاف البلاد وأكثر الزيارات حتى كاد يطبق الأرض بالدورات برًا وبحرًا وسهلاً ووعرًا وكان له فضيلة ومعرفة بعلم السيمياء وبه تقدم عند الملك الطاهر عند السلطان صلاح الدين صاحب حلب وكان كثير الرعاية له وبنى مدرسة بظاهر حلب‏.‏

قال ابن خلكان‏:‏ رأيت فيها بيتين مكتوبين بخط حسن كتابة رجل فاضل نزل هناك قاصدًا رحم الله من دعا لأناس نزلوا ههنا يريدون مصر نزلوا والخدود بيض فلما أزف البين عدن بالدمع حمرا وللهروي المذكور مصنفات منها كتاب الإشارات في معرفة الزيارات وكتاب الخطب الهروية وغير ذلك‏.‏